المعارك الجانبية وأثرها علي مسيرة المصلحين
كلما كان المرء في أمر عظيم ومهمة ذات شأن كلما وجب عليه أن ينتبه جيداللمزالق المادية والفكرية التي ستعرضه لتصرفه عن هدفه في سيره , وكلما اشتد انتباهه لذلك كلما حاول شياطين الإنس والجن إثناءه عن صراطه المستقيم
.
وربما يتشبث الإنسان بهدفه العظيم ويجتهد في عدم الحيدة عنه , فلا ينصرف بحال عن سلوكه إياه يعترضه شياطينه بان يسلك مسالك تطيل عليه طريقه فربما ييأس أو يمل أو توقفه عوارض الحياة ,فالانشغال بالمهم جيد لكنه يكون مستنكرا إذا كان تشويشا عن الانشغال بالأهم , وهذه فرصة شياطين الإنس والجن للنيل من كل سالك رباني تجاه هدفه القويم
.
ولقد أمر الله نبيه لوطا بهذا الأمر الواضح على لسان ملائكته إذ قالوا ” قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
فامرهم بالمضي نحو هدفهم في اقصر الطرق واشد العزم وامرهم بعدم تضييع الجهد بالالتفات نحو أي قضية أو فكرة أو طارئ ذهني يطرأ عليهم
.
وفي حياة موسى عليه السلام درس عظيم في خطورة ظاهرة الالتفات وتأثيرها السلبي على حياة الدعاة والمصلحين , بل على حياة أمم كاملة
.
فالدخول في معارك جانبية يعرقل العمل الكبير و يضعف صاحب الهمة العالية ويضعف من الأثر الحسن لأعماله , فقبل بعثة نبي الله موسى عليه السلام , وحينما اشتهر بين الناس بسعيه للإصلاح [1] حينها دخل موسى عليه السلام المدينة على حين غفلة
ولابد وقتها انه كان يتعرض لردود أفعال تعرقل مساعيه
لأنه يفترض أنه في هذا الوقت يُعامل كإبن من أبناء فرعون فتحينه فرصة ليدخل المدينة على حين غفلة يعني بالضرورة انه كان يسير لعمل كبير في مقاومة الظلم والظالمين , ولكنه تعرض لموقف اثر على مسيرته طويلا إذ تدخل في نزاع بين يهودي وقبطي فانتصر لليهودي ووكز القبطي فقتله فتعرقلت مسيرته ونصحه الناصح بالخروج من المدينة ولم يعد إليها الا بعد فترة لا تقل عن عشر سنوات
.
وضرب لنا خليل الرحمن نبي الله إبراهيم المثل الأعظم في اليقظة وعدم الالتفات للمعارك الجانبية , فحكى الله سبحانه عنه في محاورته للملك النمرود ما قاله
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
“
لم يتوقف نبي الله إبراهيم حول مناقشة النمرود في دعواه حينما ادعى انه يحيي ويميت مثل الله – حاش لله – وهو ادعاء تافه ساقط ليس له قيمة أو حجة , الا أن إبراهيم عليه السلام انتقل وبسرعة إلى نقطة أخرى اتسمت بكونها عملية غير جدلية وهي نقطة الفعل العملي
وهي النقطة التي تصبح فيها قدرة خصمه لا تساوي حتى الصفر , فدعاه إلى فعل عملي يغير ما عليه الكون حتى قبل ميلاد النمرود , فبهت الذي كفر
.
ولهذا يعاني أكثر الكتاب والمفكرين من ظاهرة يمكن أن تسميها بظاهرة “رجع الصدى ” , بل يعاني منها أغلب العوام والخواص على صفحات التواصل الاجتماعي
فنرى الصفحات تتحدث غالبيتها عن موضوع محدد كل يوم , ويدل دلالة يقينية على وجود محرك للرأي العام الجماهيري ودافع للحديث حول موضوع معين بتهيجته
.
وتتناول الغالبية الحدث – المفروض عليهم – وينقسم الناس إلى فئتين أو أكثر : الفئة الأولى فئة المؤيدين للحدث – أيا كان – بلا عقل ولا وعي
والفئة الثانية فئة المعارضين للحدث الذين يفندونه أو يحللونه أو غير ذلك
وينتهي اليوم ببرامج الحوارات الليلية على القنوات الفضائية لتعلق على الحدث ليتم إعادة استهلاك تعليقاتهم في صباح اليوم التالي تحت عدة عناوين براقة يستدعي كل صاحب وجهة نظر كلمات من وافقه ليدلل بها على صحة وجهة نظرة
.
فهل يليق بأصحاب الرأي والتوجهات أن يجروا كل يوم لمعارك جانبية ؟
وهل يصح استهلاك طاقاتهم كل يوم في قضايا جديدة ؟
ومتى وأين ومن يكون على يديه البناء إذا أصبح الجميع أو الغالبية أصحاب ردود أفعال ؟
ـــــــــ
[1] دليل اشتهار موسى عليه السلام بمحاولات إصلاحية قبل النبوة قول القائل له في المرة الثانية “فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ “.